أرشيف

حرب صعدة..قراءة في حلقات تكتمل لتبدأ كارثة تالية

  مازال الوضع في صعدة مستعرا وأكثر منه الاتهامات المتقدة بين طرفي  الحرب التي غدت نهايتها غير مرة بداية لحلقة أخرى.

بعد أن زارالمشاعر المقدسة لأداء العمرة بمكة المكرمة سلك الرئيس علي عبد الله صالح طريقه عبر مدينة صعدة وبعد أدائه صلاة الجمعة في الجامع الكبير في صعدة ردد شباب شعار«الله أكبر الموت..لأمريكا الموت لإسرائيل».

حرب صعدة بدأت بعد بضعة أشهر من تلك الجمعة التي ردد فيها الشعار شباب اعتبروا من طلاب حسين بدر الدين الحوثي الذي كان قبل ذلك الوقتً عضو مجلس نواب عن حزب الحق وهو شقيق يحيى بدر الدين الحوثي عضو مجلس النواب الحالي عن المؤتمر الشعبي العام.

أراد الرئيس مثول حسين بدر الدين الحوثي إلى مكتبه في رئاسة الجمهورية ورفض الأخيرالحضور إلى صنعاء بينما قالت روايات أخرى أنه لم يستطع الحضور لأسباب خارج إرادته.

توجهت حملة عسكرية إلى مران في 18/6/2004م حيث يقطن حسين الحوثي بمبررأن ثلاثة جنود سقطوا قتلى في إحدى النقاط العسكرية،قيل أن الجناة من أتباع حسين بدر الدين.

واشتعلت الحرب والمواجهات واقتصرت على منطقة مران وجنبت باقي المناطق وكان الفعل المنسوب إلى حسين بدر الدين هو ترديد الشعار ولكن بعد اشتعال المواجهات واستمرار الحرب التي استنكرها الكثير أضافت السلطة تهما متعددة،منها إدعاء النبوة والإمامة واعتناق الاثني عشرية وغيرها..

وبعد انتهاء الحرب الأولى ومقتل حسين بدر الدين برز نشاط سلفي في المنطقة وزعت فيه الكتيبات وسلمت المساجد لأنصار الفكر السلفي ودعي أبناء صعدة للتوبة والتبرء من المذهب الزيدي.

حرب بقيادة الأب

بعد اعلان نبأ القضاء علي حسين بدر الدين الحوثي عبر وسائل الإعلام الرسمية التي أذاعت الخبر متلازما مع ترديد الأناشيد الوطنية ونقل صور من مجريات المعركة ظهرت دعوات رسمية تؤكد على ضرورة مغادرة العلامة بدر الدين الحوثي مدينة

 
 
 

صعدة من أجل استتباب الأمن وضمان عدم اشتعال الحرب.

كان الموقف محرجا وثقيلا على العلامة المؤلف بدر الدين المرجعية الفكرية للمذهب الزيدي الذي يعول عليه كثيراً،خاصة أن العلامة المرحوم مجد الدين المؤيدي كان حينها مريضا وطريح الفراش منذُ سنوات،لكن الوضع كان يتطلب منه الوقوف خاصة وأن هناك سجناء محسوبين عليه وإعلاميين وجهت لهم التهم ورهن المحاكم ولهذا استجاب للإقامة الجبرية التي فرضت عليه في العاصمة صنعاء التي انتقل إليها من مدينة صعدة ليعيش فيها بشروط أمليت على الطرفين كانت من ضمن شروطه الافراج عن السجناء وإيقاف المحاكمات ولم يستمر طويلاً في صنعاء التي غادرها غاضباً وحدد أسباب غضبه حينها في لقاء أجرته معه صحيفة (الوسط) .

بعد عودته بأيام قليلة اشتعلت الحرب مرة أخرى وأفلت قادة الحرب لجام الدبابات في معارك متسلسلة في أكثر  من جهة دمرت الكثير وقتلت الأكثر وبرزت قيادات حوثية على سطح الاحداث مثل عبد الله عيضه الرزامي ويوسف المداني وعبد الملك الحوثي وغيرهم.

وامتلأت السجون في صعدة بالسجناء والأسرى وتعددت الوساطات وكثرت التصريحات من طرفي الحرب.

وعلى المستوى الشعبي كان الناس يتحدثون عن الحرب في صعدة  ويذكرون عدد الضحايا وحجم التدمير بنقديرات متفاوتة،ولكنهم كانوا يتساءلون بحيرة لماذا الحرب ؟

أما الخطاب السياسي للسلطة فقد اتهم حكومة إيران في تأجيج الصراع وتقديم الدعم والعتاد للحوثيين وبرر عجز الجيش عن حسم المعركة بالقول إن الحوثيين مسلحون بأسلحة إيرانية فتاكة رغم أن الجيش قد أبدى إقداماً واستبسالا فريدا.

تحركت لجان الوساطات من أجل الحوار وإيقاف الحرب خاصة بعد لقاء جمع الرئيس بعلماء الزيدية التي التقت به وهي متعبة من وطأة ملاحقات أجهزة الأمن لأتباع المذهب الزيدي والهاشميين الذين أصبح موقفهم محرجا خاصة أولئك الذين يتبوأون مناصب حكومية.

وتم تشكيل لجنة وساطة كانت  ثالث لجنة تشكل في قضية صعدة وصدر عفو رئاسي وتوقفت الحرب الثانية التي قادها العلامة المؤلف  بدر الدين الحوثي وخلال هذه الحرب لجأ ولده النائب البرلماني يحيى بدر الدين إلى ألمانيا كلاجئ سياسي.

أيام الزحف على نشور

تحت مبررات الحفاظ على هيبة الدولة لم تبارك قيادات عسكرية ذلك الاتفاق والتصالح والعفو الرئاسي وبقيت المناوشات مستمرة في مضمار المعارك وسرعان ما اشتعلت حرب ثالثة يسميها الأهالي أيام الزحف على نشور هذه الحرب كان أبرز قياداتها عبد الله عيضه الرزامي وعبد الملك الحوثي،كانت حربا شرسة أحرقت فيها المزارع ودمرت فيها المنازل ونزح المواطنون من قراهم.

السلطة استنفرت حينها الجيش وفتح باب التجنيد والتطوع للقتال في صعدة وتمت تعبئة القبائل وضخهم إلى ساحة القتال وشاركت المجاميع الجهادية السلفية تحت راية قيادة الفرقة أولى مدرع وهاجمت وقاتلت قتالاً مستميتا.

كانت أهم سمات هذه الحرب هي الرهان على الوقت لأن الانتخابات الرئاسية لم يتبق لها سوى أشهر قليلة ولهذا كان الجانب الحكومي أكثر تحركا وبطشا ومواصلة للقتال وكان الأمر متلازما مع حملة من الاعتقالات والملاحقات وطرح خطاب تخويني وإتهامات لدولة إيران بدعم الحوثي. كانت أشرس الحروب من جانب القتل والتدمير ولهذا صاحبها استنكار شعبي واسع ، وتحركت لجان الواسطات التي كانت تغيير بلجان أخرى حتى وصلت إلى ست لجان.

أوقفت الحرب وكان الغرض الأساسي من إيقافها الإنتخابات الرئاسية التي تمت بسلاسة في مدينة صعدة وأيضاً رشحت مرشح المؤتمر الشعبي العام علي عبد الله صالح بأغلبية ساحقة.

حرب اليهود وتدمير ضحيان

بعد الإنتخابات الرئاسية التي تلازمت مع الافراج عن بعض المعتقلين من الرموز الزيدية مثل العلامة مفتاح والديلمي والقاضي محمد لقمان والذي سبقها تعديل حكومي مفاجئ أطاح بباجمال من رئاسة الوزراء،وتغيير بعض الوزراء والمحافظين كان من ضمن التغييرات تغيير محافظ محافظة صعدة يحيى العمري بالشامي وقد قابل الحوثي أمر تغيير المحافظ العمري بإرتياح بحكم أنهم كانوا يطرحون من ضمن مطالبهم تغيير المحافظ العمري كذلك قيل حينها أن وساطة ليبيا كانت وراء ذلك اللطف في التعامل مع الحوثي.

شهدت صعدة زيارة رسمية حينها،وأخذ الرئيس يشيد في خطاباته بالمحافظ الشامي ويستنكر كل من يتهمه بالخيانة رداً على بعض العسكريين الذين اتهموا الشامي بالميل إلى صف الحوثي أثناء الحوارات معهم في إشارة إلى كونه من أصول هاشمية ولكن استمرار الحال من المحال،حيث بدت على السطح بوادر حرب رابعة سرعان ما اشتعلت بسبب يهود آل سالم الذين لجأوا إلى السلطة وقيادات المعسكرات مدعيين أن قبيلة آل سالم قامت بطردهم وعلى الفور اشتعلت حرب رابعة تغير اتجاهها إلى مدينة ضحيان.

أهمية ضحيان

ضحيان هي مدينة ومركز لعلماء الزيدية وهي في الأصل يسكنها هاشميون وتوسع سكانها في فئات أخرى نتيجة الزحف العمراني من فترة قريبة ويعد بعض شيوخها وشبابها من العلماء.

آراء ذهبت إلى أن ضرب مدينة صحيان كان من أهم مرتكزات محاور الحرب التي كانت من أجل استئصال الفكر الزيدي بإستئصال مرجعيته أولاً حيث تمثل ضحيان رأس هرم الزيدية وتركيبتها الاجتماعية والفكرية وبالتالي كان إقحام ضحيان في الحرب الرابعة التي اندلعت شرارتها في مناطق آل سالم التي تبعد كثيراً عن ضحيان،ولكن المعركة تحولت كلياً إلى ضحيان وكان الهدف يسير على محورين رئيسيين هما :

1- تصفية المرجعية الزيدية في ضحيان باعتبارها الكثافة الأولى من العلماء الذين يتردد عليهم العامة من المناطق الزيدية السعودية واليمنية من أجل الفتوى والسؤال.

2- تصفية واضعاف وإذلال السلالة الهاشمية في اليمن بدءا بتصفية كبار رموزها ورؤوس عناصرها التي تعد ضحيان منبعا لها  في سبيل تحقيق الهدف وهو القضاء على الفكر الزيدي .

لقد بدا أن الحرب ستشن مرة أخرى وستستمر تحت مظلة دعم التوجه السلفي الوهابي حيث لا يمكن للمتتبع للمعلومات المتاحة من طرف السلطة فقط أن يخلص إلى نتيجة غير هذا .

والذي يزيد الأمور تأكيداً هو النشاط الأمني الذي كان يتلازم مع الحرب ويزداد اشتدادا عند توقفها في نهب مكتبات هائلة من المخطوطات والمخزون الثقافي الزيدي في ضحيان وفي صنعاء وفي منطقة (هجرة فلة) التي تم فيها نهب كتب العلامة عبد الرحمن  شائف والعلامة سراج الدين عدلان وعدم السماح بمشاركة الكتب الزيدية في المعرض الدولي للكتاب في 2004م.

ولذا نجد أن الحرب الرابعة في ضحيان،كانت أشد فتكاً وتطورت مباشرة بعد إقالة المحافظ الشامي واستبداله بالمصري بقرار تزامن مع الإعداد للزحف إلى ضحيان في حرب تعفنت فيها جثث القتلى في شوارع المدينة وقتل الأطفال ودمرت المباني والمساجد حتى القبور لم تسلم من قذائف الطائرات حتى لاحت في الأفق الوساطة القطرية.

الترسيم الجغرافي

أشتعلت حرب صعدة بعد زمن قصير من ترسيم الحدود الجغرافية بين اليمن والسعودية وجاء موعد ترسيم الحدود والحال اليمني منهك أقتصادياً وسياسياً ومازال يعاني من أثار حرب صيف 94 الأهلية والتي كانت السعودية لاعبا أساسيا فيها.

وتمكن أصدقاء السعودية من تقريب وجهات  النظر بين الحكومتين وتقديم الرغبة السعودية في ضم أراض يمنية كانت تبسط عليها لتكون رسمياً ضمن الخارطة السعودية أمراً مقبولا،وسيقيد السعودية من التدخل في الشئون اليمنية ويمنعها من تقديم أي دعم لأية جهات ترغب في المساس بالوحدة اليمنية كذلك سيجعلها تعيد النظر في قرار تعاملها مع العمالة اليمنية والذي سيكون له دور في انعاش الاقتصاد اليمني،وأيضاً ستلعب السعودية دوراً كبيراً من أجل ضم  اليمن إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

كان رئيس الحكومة حينها الاستاذ عبد القادر باجمال أكثر حماساً ولاعبا رئيسيا في المهمة ومحبوبا من الطرفين فهو يمثل اليمن كرئيس للحكومة وحاصلا على ثقة الحكومة السعودية الذي هو ربيبها وتلقى علومه فيها عندما هاجر  إليها وهو أمي لا يجيد القراءة والكتابة وهو في سن الخامسة عشرة،لهذا تكللت مساعي الترسيم بالنجاح،وتم ترسيم الحدود رسمياً واستقبلت حكومة البلدين برقيات التهنئة والاشادة في حل مشكلة الحدود اليمنية السعودية سلمياً وبتنازل أحد الأطراف وصدر قرار العفو عن عبد الرحمن الجفري تمهيداً لعودته وهو شخصية سياسية وصديق مخلص للملكة السعودية.

معضلة الترسيم

بعد ترسيم الحدود بقيت مخاوف السعودية قائمة من خطر ترى أنه قادم نحوها من حدودها الجنوبية الغربية حيث الكثافة السكانية الزيدية مع عدم رضاها عن سكان اليمن في المناطق الوسطى وبالتحديد الجماهير التعزية والضالعية والردفانية الأبية لأنها تميل إلى الهيجان الثوري وتتبنى الفكر الليبرالي.

واشتعال حرب طائفية يشرذم التماسك القبلي ويفسح المجال للفكر الوهابي السعودي من أجل يكون عقيدة رئيسية ورسمية أمراً يصب في الصالح السعودي ولهذا اتهمت قيادات زيدية بدعم سعودي قدم للحكومة وبعض قياداتها مقابل استمرار الحرب في صعدة.

ومن المدهش غياب الدور السياسي والقبلي للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في حرب صعدة وكانت تصريحاته عن الحرب غير واضحة وكان الجميع يبرر غيابه ودوره في مفاصل العمل السياسي فيما يخص حرب صعدة بسبب الأمراض التي طاردته بعد حادثة (دكار) التي استهدفت حياته في العاصمة السنغالية من قبل جهات لم يعلن عنها حتى الآن واستمر من بعدها تعاوده الأمراض حتى وفاته رحمه الله .

الوساطة القطرية وعلامة الاستفهام

تتمتع دولة قطر بإحترام شعبي وفي أوساط المثقفين في اليمن من خلال سياستها المتزنة تجاه الشعب اليمني لهذا لم يطف إلى سطح وعي الجماهير في اليمن لماذا جاءت الوساطة القطرية والهدف السياسي منها ؟ وقد تضاربت الروايات التي تقول إحداها أن دولة إيران هي من طلبت التدخل القطري في إيقاف مسلسل الذبح على الشيعة الزيود وتعميم الفكر الوهابي في منطقتهم وهذه الوساطة لم تستحسنها السعودية التي أخذت تضغط بطرق أخرى منها تحريك بعض التجار الحضارم الحاصلين على جنسيتها في تأسيس بنية إقتصادية في مدينة حضرموت منفردة تمهيداً لتحرك حضرمي يعيد أمجاد الدولة الحضرمية.

وتضيف تحليلات الرواية أن الحكومة اليمنية استجابت للوساطة القطرية في إيقاف الحرب لأن السعودية لم تواصل الدعم بسخاء لحكومة اليمن التي حاربت من أجل إضعاف الزحف الزيدي الشعبي إلى السعودية وقيل أن مبررات الحكومة السعودية كانت في تذمرها من استطالة مدة الحرب وعدم انضباط الحدود التي أصبحت تتدفق عبرها المهربات من الأسلحة والمخدرات.

وقد جاءت الوساطة القطرية في ظل ظروف سياسية مختلة تعيشها السلطة من جراء الحراك الشعبي في المناطق الجنوبية .

سياسة مختلة

قبل الإنتخابات الرئاسية زار الرئيس علي عبد الله صالح الجماهيرية الليبية على رأس وفد دبلوماسي وقبلي وقيل أن الغرض من تلك الزيارة هو الطرح غير المباشر للزعيم الليبي معمر القذافي عن حرب صعدة في اليمن مع الحوثي الهاشمي الذي تنزعج منهم السعودية وذلك من أجل تحريك القذافي في التدخل لصلح وتقديم الدعم مما يجعل الحكومة تضخ إلى خزينتها دعما من جانبين سيتنافسان في القضية الحوثية،أحدهما السعودية التي ستتخوف من الدعم الليبي لشيعة في حدودها مع اليمن،ولكن تلك الزيارة باءت بالفشل حيث لم يعط الزعيم الليبي اهتماما للموضوع الذي تحول بعد ذلك إلى اتهام لليبيا في دعم الحوثي،لتصبح ليبيا ثاني دولة بعد إيران في قائمة الإتهام اليمنية ولم تستطع الحكومة أن تقدم أي دليل في كل اتهاماتها المتنوعة التي اختصرتها أخيراً عند الاتفاقية القطرية إلى تهمة واحدة هي (التمرد ) ودللت تمرد الحوثي بنزوحهم إلى الجبال وتركهم قراهم ومدنهم ومقاومة السلطة.

ستبقى مدينة صعدة حزاما ملتهبا في حال إبقاء ما يجري محصورا بين قيادات في السلطة وعد مناقشة ذلك من مختلف الأطراف في اليمن كقضية وطنية .

زر الذهاب إلى الأعلى